"شباب المناعة" لدى كبار السن- نعمة أم نقمة؟

المؤلف: محمد صديق (القاهرة)08.20.2025
"شباب المناعة" لدى كبار السن- نعمة أم نقمة؟

في اكتشاف بالغ الأهمية، أبرزت دراسة حديثة أُجريت في رحاب مايو كلينك بالولايات المتحدة الأمريكية عن الجهاز المناعي لدى كبار السن، حيث توصل الباحثون إلى حقيقة مفادها أن بعض الأفراد الذين تجاوزوا الستين من العمر يتمتعون بقدرات مناعية استثنائية تُعرف بـ "شباب المناعة"، وذلك بفضل وجود خلايا مناعية متخصصة تُدعى الخلايا التائية الشبيهة بالجذعية (Stem-like T cells).

ووفقًا لنتائج الدراسة، تعمل هذه الخلايا بدور محوري في تعزيز قوة الجهاز المناعي، وقد تساهم بصورة فعالة في إطالة العمر، إلا أنها قد تزيد في الوقت ذاته من احتمالية الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب الشرايين الخلوي العملاق.

وتلقي الدراسة الأمريكية، التي نُشرت في مجلة "Nature Aging"، الضوء على التوازن المعقد بين مزايا المناعة الشابة والمخاطر المحتملة.

قام الباحثون بمتابعة حالة أكثر من مئة شخص تجاوزوا سن الستين، وهم مرضى يتلقون العلاج في مايو كلينك من التهاب الشرايين الخلوي العملاق، وهو مرض مناعي ذاتي يؤثر بشكل خاص على الشرايين بما في ذلك الشريان الأورطي. وقد اكتشف الباحثون وجود الخلايا التائية الشبيهة بالجذعية في الأنسجة المصابة، وهي خلايا مناعية تعمل بدور الخلايا الجذعية الشابة وتساعد في عمليات التجديد والشفاء، إلا أنها في هذه الحالة كانت تسهم بفعالية في انتشار المرض وتفاقمه.

وأوضحت الدكتورة كورنيليا وياند، الخبيرة في أمراض الروماتيزم ووظائف الخلايا المناعية في مايو كلينك والمؤلفة المشاركة في الدراسة: "أن هؤلاء المرضى يمتلكون جهازًا مناعيًا شابًا بشكل لافت للنظر، وذلك على الرغم من أعمارهم التي تتراوح بين الستينيات والسبعينيات، إلا أن هذا الشباب المناعي له ثمن، وهو الإصابة بالمناعة الذاتية، حيث يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة الأنسجة والأعضاء السليمة عن طريق الخطأ".

وأشار الدكتور يورغ غورونزي، المتخصص في شيخوخة الجهاز المناعي في مايو كلينك والمؤلف المشارك في الدراسة، إلى أن شيخوخة الجهاز المناعي لا تعتبر بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل قد تكون آلية تكيفية متطورة تهدف إلى منع ظهور الأمراض المناعية الذاتية.

وأوضح أن الجهاز المناعي الذي يتقدم في العمر جنبًا إلى جنب مع الجسم يقلل من احتمالية مهاجمة الأنسجة السليمة، في حين أن الجهاز المناعي "الشاب" قد يتسبب في ردود فعل مفرطة تؤدي إلى ظهور أمراض متنوعة مثل التهاب الشرايين.

وكشفت نتائج الدراسة أن مثبطات نقاط التفتيش المناعية، المسؤولة عن تنظيم عمل الجهاز المناعي، لا تعمل بكفاءة لدى هؤلاء المرضى، مما يزيد من تعقيد حالتهم الصحية.

ويعمل الباحثون في الوقت الراهن على تطوير اختبارات تشخيصية مبتكرة لتحديد الأفراد الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من الخلايا التائية الشبيهة بالجذعية، والذين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية في مراحل لاحقة من حياتهم.

وتتزامن هذه الدراسة مع توقعات عالمية تشير إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 78.1 عامًا بحلول عام 2050، أي بزيادة قدرها 4.5 سنوات، وذلك وفقًا لدراسة نشرتها مجلة "The Lancet Public Health".

ويُعزى هذا الارتفاع الملحوظ إلى التحسينات المستمرة في الرعاية الصحية، والتي تساهم بدور فعال في تقليل الأمراض القلبية الوعائية والتغذوية والعدوى. ومع ذلك، تشدد الدراسة على أهمية مواجهة عوامل الخطر المختلفة مثل ارتفاع ضغط الدم ومؤشر كتلة الجسم، وذلك من أجل دعم هذا الاتجاه الإيجابي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة