بكتيريا الأمعاء والأرق- علاقة متبادلة تفتح آفاقًا علاجية جديدة

المؤلف: محمد صديق (القاهرة)08.20.2025
بكتيريا الأمعاء والأرق- علاقة متبادلة تفتح آفاقًا علاجية جديدة

في اكتشاف بالغ الأهمية، كشفت دراسة علمية مرموقة، نُشرت في دورية General Psychiatry، عن وجود ارتباط وثيق ومتبادل بين أنواع محددة من البكتيريا التي تستوطن الأمعاء، وبين احتمالات الإصابة بالأرق المزمن. يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا واعدة نحو استحداث علاجات مبتكرة، تستلهم أفكارها من عالم الميكروبيوم الغني والمتنوع.

أظهرت نتائج الدراسة، التي اعتمدت على تقنية متطورة تعرف بتقنية التوزيع العشوائي المندلي، أن بعض الأنواع من هذه البكتيريا قد يكون لها دور في زيادة أو تقليل فرص ظهور الأرق، في حين أن الأرق نفسه يؤثر بشكل ملحوظ على حجم تواجد هذه البكتيريا في الأمعاء.

ولإجراء هذه الدراسة، استعان الباحثون بمعلومات قيمة جمعت من دراسة جينية سابقة، شملت عينة كبيرة قوامها 386,533 شخصًا يعانون من الأرق. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام بيانات حول ميكروبيوم الأمعاء لـ 18,340 شخصًا من تحالف MiBioGen، و 8,208 أشخاص من مشروع Dutch Microbiome، مع التركيز على 71 مجموعة بكتيرية شائعة. وكشفت التحليلات المعمقة أن هناك 14 مجموعة بكتيرية ارتبطت بصورة إيجابية بزيادة فرص الإصابة بالأرق بنسبة تتراوح بين 1 و4%. في المقابل، ارتبطت 8 مجموعات بكتيرية أخرى بشكل سلبي بانخفاض هذه المخاطر بنسبة تتراوح بين 1 و3%. علاوة على ذلك، تبين أن الأرق يؤدي إلى تقليل حجم تواجد 7 مجموعات بكتيرية بنسبة تتراوح بين 43 و79%، وزيادة حجم تواجد 12 مجموعة أخرى بنسبة تتراوح بين 65% إلى أكثر من أربعة أضعاف.

وقد برزت بكتيريا فئة Odoribacter كعامل حاسم ومؤثر بشكل كبير في تحديد احتمالات الإصابة بالأرق. ومن اللافت للانتباه أنه لم يتم رصد أي تأثيرات جينية متداخلة (pleiotropy)، مما يعزز بشكل كبير مصداقية النتائج ويقدم دعمًا قويًا لوجود علاقة سببية مباشرة بين الأرق والبكتيريا التي تعيش في الأمعاء.

تتفق نتائج هذه الدراسة مع نتائج أبحاث سابقة أشارت إلى وجود تفاعل معقد بين الأرق وميكروبيوم الأمعاء. ومع ذلك، نبه الباحثون إلى وجود بعض القيود التي يجب أخذها في الاعتبار، مثل حقيقة أن جميع المشاركين في الدراسة كانوا من أصول أوروبية، مما قد يحد من إمكانية تعميم النتائج على مختلف الإثنيات والمناطق الجغرافية، حيث تختلف تركيبة الميكروبيوم بشكل كبير. كما أن الدراسة لم تتضمن عوامل أخرى مؤثرة، مثل النظام الغذائي ونمط الحياة، والتي تلعب دورًا هامًا في التأثير على الميكروبيوم والتفاعلات الجينية البيئية.

وأوضح الباحثون أن العلاقة بين الأرق وميكروبيوم الأمعاء هي علاقة معقدة وذات اتجاهين، وتشمل تنظيم الجهاز المناعي، والاستجابات الالتهابية، وإفراز الناقلات العصبية، ومسارات جزيئية وخلوية أخرى معقدة. وأشاروا إلى أن هذه الدراسة تقدم دليلًا أوليًا هامًا على وجود تأثير سببي، مما يوفر رؤى قيمة لتطوير علاجات مستقبلية تعتمد بشكل أساسي على الميكروبيوم.

وفي ختام الدراسة، اقترح الباحثون أن هذه النتائج قد تمهد الطريق أمام تطوير علاجات جديدة ومبتكرة للأرق، مثل استخدام البروبيوتيك، والبريبيوتيك، أو حتى زراعة الميكروبيوم البرازي، بهدف تحسين جودة النوم وتقليل فرص الإصابة بالاضطرابات المرتبطة به.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة